الدين والأنا والضمير
قبل أن أتحدث عن علاقة
(الدين) بكل من (الأنا) و(الضمير) أريد أن أعرض تعريفاً بسيطاً لكل من هذه
المصطلحات الثلاث.
(الدين) :هو ما يعتقد
الإنسان أنها تعليمات إلهية موجهة إلى البشر عبر الوحي.
(الضمير) :هو ذلك الصوت الهادئ الموجود في داخل كل واحد منا والذي يخبرنا
بالصواب والخطأ والجميل والقبيح.
(الأنا) :هي ذلك الصوت العالي المستبد الموجود في داخل كل واحد منا والذي
يثبت نفسه بنفي الآخرين وإقصائهم.
بعض المشتغلين بالشأن
الديني يفهمون (الدين) من خلال (الأنا) ويتصف هؤلاء بالصفات التالية:
1. يعاملون الناس كأشياء يجب إصلاحها
وتهذيبها وليسوا كبشر عاقلين يملكون حرية الاختيار.
2. لا يفرحون لنجاح الآخرين ويعتبرونه تهديداً لهم. هذا النوع من المشتغلين بالشأن
الديني يتضايق إذا نجح غيره فحاز عدداً أكبر من الأتباع. هؤلاء يتمنون الفشل
لغيرهم ويفرحون به.
3. يتضايقون من التقييم السلبي. إن هؤلاء يثورون عندما يسمعون أيَّ نقد لهم. إنهم فارغون من
الداخل ويفتقرون إلى أي قيمة حقيقية يقدمونها للناس سواء على المستوى الفكري أو
على مستوى الوقوف في وجه الظالمين وجعل حياة الناس أكثر كرامة وبسبب هذا الفراغ
الداخلي والشعور بانعدام القيمة الحقيقية يصبح مدح الناس لهم هو المصدر الوحيد
لشعورهم بالأمن فإذا فقدوا هذا المصدر وجاءهم من ينتقدهم شعروا بالفزع الشديد
ولربما عاقبوا صاحب هذا النقد وشهّروا به (بدعوى شق عصا الطاعة أو عدم احترام
العلم والعلماء!).
4. يتبنون عقلية الندرة. إن الذين يتبنون عقلية الندرة ينظرون إلى الحياة على
أنها قالب محدود من الحلوى فإذا أخذ غيرهم حصة أكبر من هذا القالب فقد أخذ من
حصتهم لذلك كما قلنا هؤلاء لا يتمنون النجاح لغيرهم ويعتبرون نجاح الآخرين تهديداً
لهم.
هؤلاء لا يتورعون عن فعل
أي شيء في سبيل الحفاظ على مواقعهم بدءاً من تضليل الناس بشغلهم بكل شيء له علاقة
بالدين اللهمَّ إلا بما يحرك في نفوسهم معاني العزة والكرامة ويدفعهم إلى رفض
الظلم والظالمين، وانتهاء بالوشاية ببعضهم البعض أمام أجهزة الأمن ليكون الواشي أقرب
منزلة وأوفر حظاً عند هذه الأجهزة! هؤلاء
لا يوجد في قاموسهم كلمة (تضحية) لأن الذي يعيش وفقاً لما يمليه عليه (الضمير) هو
الذي يضحي أما الذي يعيش وفقاً لما تمليه عليه (الأنا) فيضحي بكل شيء في سبيل (أناه) .. يضحي بالمبادئ وبمقاصد
الدين وبالآخرين شركائه في العلم والدعوة فيكذب وينافق ويضلل ويشي بالآخرين أمام
أجهزة الأمن ويبرر كل ذلك بالحفاظ على (موقعه) الذي يدّعي أنه يخدم الدين من خلاله، وما هذا (الموقع) إلا غلافٌ لـِ (أناه) المريضة
المنتفخة المتورمة!
بالمقابل هناك مجموعة من
المشتغلين بالشأن الديني يفهمون (الدين) من خلال (الضمير) ويتصف هؤلاء بالصفات
التالية:
1. هم يعاملون الآخرين كبشر يتمتعون بنعمة العقل والتفكير. هؤلاء لا ينصبون أنفسهم
أوصياء على عقول البشر ولا يحاولون إقناع الناس بأفكارهم وجعلهم نسخاً مكررة منهم.
بل يعرضون ما لديهم من باب التذكير }فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ
عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ{ (الغاشية 21-22)