تصنيف العلوم عند العرب
1ـ مقدمة:
اهتم العرب بموضوع تصنيف العلوم بعد
فترة ظهور الإسلام ونشوء الدولة العربية الإسلامية، وذلك للتعرف على صلة العلوم
وارتباطاتها فيما بينها بما ينسجم ومنهجهم في كل فترة زمنية، إلا أنه من المؤسف
أن البعض يعتقد أن العرب أخذوا تصنيف العلوم عن اليونان بشكل عام وعن أرسطو
بشكل خاص.
بينما نجد أن الفكر العربي قد بدأ
نتاجه الفكري في مجال تصنيف العلوم قبل أن تصل كتب أرسطو إلى بلاد العرب
وتترجم، فنجد أن هنالك العديد من الحكماء العرب قد وضعوا تصانيف للعلوم ومنذ
بدايات القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي.
2ـ الوصول إلى العلم العربي وتنظيمه:
من المعروف أن كلمة "عِلم عربي" لا تعني العلم الإسلامي، ولكن العلم
الذي كتب باللغة العربية أساساً، ومع ذلك فمن المؤكد أن للإسلام دوراً مهماً
جداً في التفتح العلمي في القرون الوسطى، إذ لم يكن الفاتحون العرب المسلمون
نهمين فقط في تمثل الحضارات القديمة السائدة في البلدان التي فتحوها، ولكنهم
وجدوا في محكم التنزيل والأحاديث النبوية تحريضاً وحثاً على الدرس والبحث.
وإذا جمعنا الشروط الدينية والبشرية
للعلم العربي فسوف نفهم وضع العلماء العرب المسلمين والدفع الذي أعطوه للعلماء
من كل الملل والأعراق، وذلك بتجنيدهم من أجل عمل مشترك باللغة العربية.
إن العلم هو واحدة من المؤسسات في
الحضارة العربية الإسلامية، ولا يشجع عليه محبو العلم ورعاته فقط، بل إن
الخلفاء والحكام والولاة عملوا على بعثه ونموه. ويجب ذكر خالد الأمير الحكيم،
والمنصور مؤسس بغداد، والمأمون الذي أرسل المبعوثين لترجمة المخطوطات، والناصر
وابنه الحكم في الأندلس. وبالفعل في الوقت الذي نمت فيه جهود الترجمة، قامت
مدرسة "أحمد بن حنبل" القائمة على علوم القرآن والسنة، وهذا الموقف جعل إرنست
رينان يقول بأن العلم في بلاد الإسلام قد انتشر رغماً عنه. وهذا خطأ حتى لو
نظرنا بمنظار المدارس المتشددة والمتعصبة، فهذه ليست كل الإسلام. ومهما يكن من
أمر فقد انتصر حب العلم. والأمر على صعيد البحث وعلى صعيد التعليم ولَد الحاجة
إلى جرد المعرفة، وربما كان هذا البعض قد ظن أن العلم قد اكتمل ولم يبق إلا
تمثله، ولكن هذا التجميع للمعارف المكتسبة شكَل تمهيداً ممتازاً للبحث التاريخي
والتقدم، فقد فتحت الحاجة إلى الإحصاء المجال أمام تصنيف العلوم، ولاشك أن هذه
التصنيفات لم تكن تجديداً، ولكن الأقدمين قسموا العلوم بحسب مناهجها وصفاتها
الأساسية وبحسب فهم موضوعاتها، وعند العرب يبدو التصنيف ذا قيمة جديدة مهمة.
3ـ الوجهة التقليدية في تصنيف العلوم:
من العلماء الذين ساهموا في هذه الوجهة من التصنيف:
- ارسطو : التصنيف الارسطي
تصنيف العلوم المأثور عن أرسطو ، والذي يعتبر أنضج تفسير في الفكر الفلسفي القديم ، كما أنه يعتبر التصنيف الذي ظل موجها للفكر التصنيفي بعده قرونا طويلة من الزمن في ظل التوجيه العام الذي كان للفكر الأرسطي على وجه العموم .
لقد قسم أرسطو العلوم إلي قسمين رئيسيين . يندرج تحت كل منهما جملة من العلوم الفرعية على النحو التالي :
1- 1- علم نظري . غايته مجرد المعرفة ، وينقسم إلي ثلاثة أقسام وهي :
(أ) علم ما بعد الطبيعة أو الفلسفة الأولي ، أو العلم الإلهي ، وهو بحث في الوجود المطلق .
(ب) العلم الرياضي ، وهو البحث في الوجود من حيث هو مقدار وعدد .
(جـ) العلم الطبيعي ، وهو البحث في الوجود من حيث هو محسوس متحرك .
2- 2- علم عملي ، وغايته المعرفة لأجل تدبير الأفعال الإنسانية . وهو أربع شعب :
(أ) (أ) علم الأخلاق
(ب) (ب) علم تدبير
(ت) (ت) علم السياسية
(ث) (ث) الفن والشعر
أما المنطق فإنه غير داخل في هذا التقسيم ، لأن موضوعة ذهني ، وهو آلة للعلو كلها [4] .
إن هذا التقسيم الأرسطي يمتزج فيه وصف العلوم التي كانت على عهد أرسطو الذاتي لما ينبغي أن تنتهجه المعرفة الإنسانية بناء على فلسفته في بنية الوجود التي تترتب فيها الموجودات ترتيبا شرقيا متنازلا من أكثرها تجريدا إلي أكثرها اتصالا بالمادة ، وهو ما يحكي تلك الصورة المأثورة عن أرسطو في تدريجه للموجودات الكونية درجات : أعلاها المحرك الأول الواجب الوجود ، وأدناها الكائنات التي لا أعضاء لها الشبيهة بالهيولي ، مرورا بعالم ما فوق فلك القمر الذي يشمل الكواكب التي لا ينالها الكون والفساد ، ثم بعالم ما تحته الذي يشمل ما يناله الكون والفساد لاختلاطه بالمادة [5] .
كما أنه يعكس خاصية البنية الفكرية التي ميزت العقلية اليونانية على وجه العموم ، وهي خاصية التجريد كما تبدو في الفصل بين العلوم على أساس نسبتها من التجريد وإناطة الشرف والإجلال بها على ذلك الاعتبار . وكما تبدو أيضا في انبناء هيكلية التقسيم بحسب تصور نظري مجرد تابع لصورة الوجود في الذهن ، أكثر من انبنائها على لواقع المعرفة الإنسانية وما أثمرته من علوم .
كما أن هذا التقسيم يعكس أيضا خاصية المفاضلة والمباعدة في الفكر الأرسطي . فالعلم النظري كأنما هو مفاصل تماما للعلوم النظرية ، فإن غايته هي المعرفة فحسب ، وليس له من مدخل في العمل السلوكي ،إذ المعرفة بالتعقل غاية في حد ذاتها بل هي أشرف غايات الإنسان ، وكأنما الإنسان يعيش ثنائية ذات طرفين متدابرين متقاطعين : التعقل الذي يشده إلي عالم المجردات ،والعمل الذي يشده إلي عالم المحسوسات . ولعل هذه الخاصية تعتبر هي بدورها تظهيرا للتصور الوجودي لأرسطو حيث واجب الوجود عنده حرك العالم ثم تركه يتحرك وأصبح عنه بعيدا لا يتدخل في شؤونه حتى على سبيل العلم به إلا أن يكون علما بالكليات .
ـ الكندي يعقوب بن إسحاق (ت260هـ) وكتابه "ماهية العلم وأقسامه":
ـ العلوم الفلسفية أو العلوم
الإنسانية: علم الطبيعيات، وعلم السياسة، وعلم مبادىء ما وراء الطبيعة، وعلم
المنطق، وعلم الأخلاق، وعلم الرياضيات.
ـ العلوم الشرعية أو الدينية: أصول
الدين، والعقائد.
ـ الفارابي محمد بن محمد (ت339هـ) وكتابه "إحصاء العلوم":
يقترح الفارابي خمسة فروع هي:
العلم المدني تشمل: (الأخلاق، والسياسة، وعلم الفقه، وعلم الكلام)، وعلم
المنطق، وعلم التعاليم (الرياضيات)، وعلم الطبيعة، وعلم اللسان.
ـ ابن سينا الحسين بن عبد الله (ت428هـ) و"رسالة: أقسام العلوم العقلية":
ـ الحكمة النظرية: وتشمل:
ـ العلم الإلهي (العلم الأعلى).
ـ الحكمة الطبيعية (العلم الأدنى): وهي: الحكمة الأصلية الطبيعية، والحكمة
الفرعية الطبيعية.
ـ الحكمة الرياضية (العلم الأوسط): الحكمة الأصلية الرياضية، والحكمة الفرعية
الرياضية.
ـ الحكمة العملية: علم الأخلاق، وعلم
تدبير المنزل، وعلم السياسة المدنية.
ـ المنطق.
4ـ الوجهة التأصيلية في تصنيف العلوم:
من العلماء الذين ساهموا في هذه الوجهة من التصنيف:
ـ جابر بن حيان (ت160هـ) وكتابه "رسائل جابر بن حيان":
ـ العلوم الدينية: وتشمل: العلوم العقلية وهي: علوم الحروف (طبيعي،
وروحاني)، وعلوم المعاني (الفلسفة، والعلم الإلهي). والعلوم الشرعية: الظاهرية،
والباطنية.
ـ العلوم الدنيوية: وتشمل: العلوم الشريفة (علم العقاقير، وعلم
الكيمياء، وعلم التدبير). والعلوم غير النافعة.
ـ الخوارزمي أبو عبد الله محمد بن احمد (ت380هـ) وكتابه "مفاتيح العلوم":
ـ العلوم الشرعية والعلوم الدينية وما
يقترن بها من العلوم العربية.
ـ علوم العجم واليونان وغيرهم.
ـ ابن خلدون عبد الرحمن بن محمد (ت808هـ) وكتاب "مقدمة ابن خلدون":
ـ قسم كلي وضعي (نقلي وضعي): وتشمل
العلوم الشرعية واللغة والأدب.
ـ صنف يهتدي إليه الإنسان بفكره:
ويشمل: علم المنطق، والعلم الطبيعي، والعلم الإلهي، وعلم التعاليم.
ـ طاش كبرى زاده أحمد بن مصطفى (ت968هـ) وكتابه "مفتاح السعادة ومصباح السيادة
في موضوعات العلوم":
ـ العلوم الخطية، وعلوم الألفاظ، وعلوم
الأذهان والمعقولات، والعلوم العقلية، والعلوم الشرعية، والعلوم الحكمية
العملية، وعلوم الباطن والأخلاق والتصوف.